رحلة النحاتة من العصور القديمة إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد

النحت فن بأصول تاريخية غنية، ويجسّد العراقة والإبداع بأشكال الفنون البصرية ثلاثية البعد ليعود أصلها للعصور القديمة. ويرجع تاريخ أقدم أعمال النحت المعروفة إلى حوالي 32 ألف سنة قبل الميلاد، فقد ابتكر البشر الأوائل أدوات نافعة وميّزوها بنحت أشكال جذابة تجسّد ثقافتهم وعصرهم.

تاريخٌ فني عريق

على مرّ القرون، اختلف وتطوّر النحت مع الحركة الفن المعاصر والتأثيرات الثقافية المختلفة، بالعصور الحجرية جسّد النحت شخصيات عظيمة للمجتمع. أما بمصر القديمة وبلاد ما وراء النهرين، تأثرفن النحت بثقافتهم الدينية والاجتماعية، لتعكس قوّة مجتمعهم وحضارته عبر منحوتات جدارية عملاقة صُنعت بتقنيات بنائية ونحتية أبهرت العالم ليومنا هذا. وباليونان القديمة وروما احترم نحاتوهم الجسد الإنساني واستحوذ هذا النمط على الفن الحديث لفن النحت في ذلك العصر.

 


تمثال من الخشب المذهب لملكة تدعى تيا. عام 1390 قبل الميلاد يجسّد الثقافة الفنية في مصر القديمة.

للسعودية حكاية 

وحتى في بلدنا الحبيبة وجدنا آثارا منحوتة لحضارات ولّت وأدوات تناولتها الأجيال أبًا عن جد لتعمّق بذلك العراقة الثقافية لمناطق المملكة المختلفة. ومن زمن قديم مثّلت مدائن صالح أعجوبة نحتية، لأنها قدرت تجسد حضارة النبطيين المبهرة بأكثر من 153 واجهة صخرية منحوتة، أهلتها تصير أول موقع أثري سعودي يُسجّل في قائمة مواقع التراث العالمي. وما وقف عمقها التاريخي على حضارة الأنباط، بل تنوّع تجسيدها لحضارات مختلفة بنقوش كتابية بين العربية الجنوبية واللحيانية والثمودية والنبطية واللاتينية والإسلامية، لتصنع تلك النقوش ذكرى وأُسس لحضارات عظمى وذوقٌ فنون باقٍ ولم يزل.

 


أحد مداخل مدائن صالح التاريخية

تجارةٌ وختوم 

وانتشرت هذه النقوش الكتابية المنحوتة منذ العصور القديمة حيث نحت أجدادنا الأولون ألواح من الطين أو المعادن أو الشمع وغيرها من المواد وحتى هويّة أفراد المجتمع صارت تُثبت بأختام حجرية فريدة، ومازالت هذه الطريقة مستخدمة في كوريا الجنوبية إلى يومنا هذا! وما تثبت هذي الأختام المنحوتة بس هوية الأشخاص بل حتى هوية الكيانات التجارية، ويُثبت هذا الشي آثارها على أكياس سلع متداولة من ألف عام قبل الميلاد.

تحولٌ وحداثة 

ومع انطلاقة التحركات الثقافية في أوربا ونهوض العلوم الإنسانية، تطوّر الفكر البشري بتسارع عجيب!
وانتشرت الابتكارات الجديدة حول العالم وبحلول عام 1450م قدر يوهان غوتنبرغ المخترع الألماني يجمّع أول مطبعة في العالم، بادئًا بذلك عصرًا من المعرفة وناشرًا للعلوم المختلفة بشتى لغات أهل الأرض.

 

رسم توضيحي لشكل أول طابعة اخترعها يوهان غوتنبرغ


 آفاق جديدة

وفي وقفة تقديرية تشهد تطوّر عصرنا الحالي اللي وسّع مفهوم الطباعة من منتجات ببعديّن مثل الطباعة على الأوراق والملابس إلى منتجات ثلاثية الأبعاد تُبنى عبر طبق مطبوعة لتكوّن مجسمّات دقيقة. ومع إن اكتشاف هذي التقنية كان في الثمانينات الميلادية إلا أن العالم ما فهم إمكانياتها إلا قريب، ويدل على كذا تطور سرعة الطباعة ثلاثية الأبعاد لأكثر من عشرات الأضعاف خلال عامي 2015 و2016 فقط!
وفي هذي الأيام، تغيرّت نظرة الشركات للتقنية جذريًا، فكانت في البداية أداة يستخدمها المصنعون والمصممون لبناء نماذج أولية، لكن الآن انتقلت من المصانع إلى المنتجات الإستهلاكية، فصارت الطابعات تقدر تصنع المجوهرات والحقائب والملابس، وحتى دخلت تطبيقاتها في الطب والصيدلة وبكذا أثبتت إمكانياتها ليحّل بذلك الإبداع والبراعة الفكرية محلّ ساعاتٍ طويلة من الأعمال اليدوية الشاقة.


النحت والطباعة ثلاثية الأبعاد 

ومن وجهة نظر الفنانين برزت الطباعة ثلاثية الأبعاد كمنقذ تنفيذي لأعمالهم الفنية المعقدة، لأنها أزالت حواجز الموارد والمهارات وفتحت فرص فنونية جديدة محد اكتشفها من قبل! 

ونقلت الطباعة ثلاثية الأبعاد النماذج المجرَّدة المعقَّدة من عالم الكمبيوتر لأرض الواقع محررة بذلك التصاميم من قيودها الرقمية لتنتج أدوات نافعة تُستخدم في حياتنا اليومية.

وما أثرّت هذه التقنية على الفنانين بس حتى النحاتين والنجارين تحققت أحلامهم بصناعة قطع متكاملة بدون أي مسامير ومفاصل مثل طاولة القهوة التي صنعها المصممين جيرنوت أوبرفيل وجان فيرتل وماتياس بار بطابعات ثلاثية الأبعاد لأنها مستحيل تُصنع بالوسائل التقليدية الأخرى.

 

طاولة  «فراكتال تي» المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد

الختام

ختامًا تتمحور الطباعة ثلاثية الأبعاد على إيجاد أفضل وأمثل حل لمشكلة ما بمساندة التصاميم الرقمية والتقنيات المتقدمة لتنتج في النهاية منتجًا مستدامًا محفزّة في كل مرة آفاقًا إبداعية جديدة.
اشترك في مدونتنا